من سيرتي الذاتية

صور من الطفولة

لم تكن تعرف او تتقن الالعاب التي يلعب بها لداتك، وان جرؤت ولعبت اثرت سخريتهم، وان حدث وان غلبت انزلوا بك العقاب، فما اسهل ان تصل صفعة الى خدك دون ان ينتصر لك احد، كنت ضعيف البنية، رقيقا طرياً، لذا فلا مناص من اللجوء الى الكتاب او الى الصلاة لتجد ملاذك، الى الكتاب لتحاوره ويحاورك دون ان يمد يده عليك ، والى الصلاة لتهرب من مجتمع كان اكثره يبحث عن طفل غض الإهاب ليفعل فيه الافاعيل

وكان ابوك يجلس الى الة الخياطة يقرأ صحيفته، او يحادث جلساءه- وهم كثر- يقص عليهم او يستمع الى قصصهم، بينما امك تروح وتغدو في ساحة الدار اذ لم تجد احدا  تحاد ّه رفعت عقيرتها بالشكوى والتذمر. وكنت بين اخوات - الكبرى منهن تطالبك بانه تكون رجلاً فتلعب البنانير، والا تهاب احدا، والصغرى تتحداك بانها تحفظ جدول الضرب افضل مما تحفظه انت

قال لك ابوك وهو يمسك بيدك يوم 21/5/1949 وكنت تقف وايه تراقب دخول اليهود الاوائل الى بلدك - هؤلاء الذين كنت تتخيلهم دائماً بانهم شقر وعيونهم زرقاء:"سوف ينتصر العرب بعد سبعة ايام، وسيتراجع هؤلاء الاغراب" ولما مضت الايام السبعة قال " انها سبعة اشهر" ولما مضت الاشهر السبعة قال " انها سبع سنين" وظل مصرا حتى رمقه الاخير، وهو يقول "سبع..."  ا

وكان ابوك قد اصر على ان تدخل الصف الاول بعمر اقل من سبع سنين- كما كان في القوانين انذاك- وذلك لكي تنهي دراستك مبكراً، وستكسب سنة اقتصادية في عمرك- هكذا اوحى لك-لكن نتائجك في الصف الاول خيبت املك، فترتيبك كان الثاني والاربعين فكنت  " اشطر " من اثنين، وسرعان ما حدث انقلاب في الصف الثاني، فإذا بك في الترتيب الثاني

كنت في تراوح بين النقيض والنقيض. تارة تؤمن ولا "تقطع فرضا"   تصلي في زاوية الدراويش القريبة من سكناك ، بل تؤذن من على مسجد القرية القديم، وكان يهمك ساعتها ان تسرّح نظرك على المنازل التي بدت كلها تحت مرمى النظر، فانت في عليائك تؤذن: الله اكبر ، الله اكبر. بل بلغ بك الامر الى ان تؤم المصلين القلائل، وقد طلبوا ذلك منك بعد ان غاب القائمون على ذلك (او غابت الخيول...) لانشغالهم في مزارعهم- في شك اوراق الدخان، حيث كان ذلك الشغل الشاغل لمعظم السكان

ومن جهة اخرى، بدأت بذور الشك في ذهنك تكثر من التساؤل عن طبيعة الخلق والخالق ، وما كنت لتجرؤ على ذلك، لولا ان ترددت على الكيبوتسات لتعمل فيها، وهناك سمعت من يقول بالارض والانسان

***

تشهد أنك كنت والعائلة حول مائدة الإفطار التي كان لها أهمية خاصة، وكنت تحرص عليها تنتظرها دقيقة بدقيقة، وبعد أن ضرب المدفع، ووصلت بضع لقيمات إلى الأفواه فإذا بطائرة أخذت تقصف، فذعرت أنت وأهلك، فتركتم المائدة وألفيت نفسك في ضيافة وأخوال أمك في النزلة الشرقية، وقضيت أسابيع هناك حتى تنفرج الحال، فإذا بطائرة تحلق فوق النزلة هذه المرة، وإذا بك تنام في ملجأ رطب عميق أنت والعشرات. وبقيت في ذهنك ذكريات عن ألعاب الطفولة، وعن تلك الصغيرة التي كانت تحنو عليك، وما نسيتها فاطمة

وعدتم إلى باقة- إلى القرية التي لم يهدم منها سوى "طابون" إثر ذلك القصف الذي سبب الهجيج.ومن الطريف أن طائرة أخرى (وقد تكون هي نفسها) عادت بعد بضعة أيام لتقوم بنفس التجربة، لكنك لاحظت العم علي وغيره وهم يحاولون أن يتحدوها، كل ببارودته، وكنت مع الأولاد تردد بجد هذه المرة: " طيارة حرامية تحت السيف مرمية".